على مر الحقب والسنوات ظلت الطائف محل اهتمام متعاظم من قبل الدولة السعودية في عهودها المختلفة، فقامت المشاريع السياحية المختلفة، التي هدفت في مجملها إلى تحسين البيئة السياحية في هذه المدينة الفريدة، واستثمار مقوماتها الطبيعية لصالح توطين السياحة، وجعل خيار السياحة الداخلية راجحًا بمشاريع تتجاوز الآمال والأمنيات إلى الواقع الملموس.
سياحة في الردف
من بين هذه المشاريع الكبيرة التي شهدتها مدينة الطائف، يأتي مشروع متنزه الردف، الذي جرى افتتاحه عام 2015، ويعد من أكبر المشروعات السياحية والترفيهية بمدينة الطائف، نظرًا للمقومات التي وفرها هذا المشروع الكبير. يقع المتنزه في الركن الجنوبي لمحافظة الطائف على طريق شهار.
أول ما يلفت النظر في هذا المشروع المساحة الكبيرة التي أقيم عليها والتي تجاوزت نصف مليون متر مربع، حيث ينبسط المتنزه في مساحة بلغت 565 ألف متر مربع، ويبلغ مجموع أطوال أضلاعه 4250 مترًا. ومع أن هذه المساحة شاسعة وكبيرة إلا أن المشروعات التي أقيمت في رحابها جسرت المسافة بينها، وجعلتها تبدو كتلة واحدة. فعلى هذه المساحة أقيمت 9 حدائق، جاءت فلسفة إنشائها مازجة بين المفهوم الجمالي والحضاري والتاريخي، إذ استوحت مفردات الحضارات العربية والإسلامية والعالمية المختلفة، مثل الأندلسية، والبيئة الصحراوية، فضلاً عن النمط الحضاري الفرنسي ومثله الإنجليزي، وهي فلسفة تضمر في ثناياها جعل المكان كراسة للتاريخ، ومسرحًا لتلاقح الحضارات، وفتح نوافذ التواصل معها، في إشارة لتلاقح الحضارات عمليًا، وليس صدامها نظريًا. وقد استوعبت هذه الحدائق التسعة 155 ألف متر مربع من إجمالي مساحة المتنزه، بما يقارب ربع مساحة المتنزه على الإجمال، كما شيّدت في هذا المتنزه مصليات تتسع لأكثر من 2400 شخص، بقسميها الرجالي والنسائي، بما يوفر للزوار والسيّاح ممارسة العبادة بطمأنينة ويسر.
رياضة وتنزه
لم تغفل خطة المتنزه عن الاهتمام بشريحة الشباب، واستيعاب طاقتها في إنشاء العديد من المرافق الرياضية والترفيهية التي تحمل صفتي الجمال والمتعة على وجه متكامل، فهناك ملاعب لكرة القدم، ومثلها لكرة السلة والطائرة، وكرة اليد. ولهواة رياضة المشي والركض تم إنشاء مضمار بعرض 10 أمتار وبطول يقارب أربعة آلاف متر، مزوّد في جوانبه بأجهزة وألعاب رياضية داعمة، لتصبح بذلك مركزًا رياضيًا في الفضاء المفتوح، يُمَكِّن المرتادين من تأدية نشاطهم الرياضي، في الهواء الطلق.
كما اهتم المتنزه بشريحة الأطفال من خلال وادي ألعاب الأطفال، والذي زوّد بمظلات خشبية للأسر المرافقة لهم، بجانب إنشاء مجموعة من المقاهي والمطاعم، مصحوبة بجلسات خارجية مطلة على البحيرة.
على المستوى الجمالي تم إنشاء بحيرة مائية ضخمة تناهز مساحتها 13 ألف متر مربع، مدعومة بنوافير مائية تضم 750 نزلاً مائيًا، وشاشة عرض مائية مساحتها 300 متر مربع، تتحول كل 5 دقائق لنافورة متحركة ارتفاعها 80 مترًا، وتتشابك مع النوافير المائية نزل اللهب التي تنطلق بتناغم فريد لتحيل البحيرة إلى لوحة فنية بديعة.
أما على المستوى التثقيفي فيضم المتنزه مركزًا للبيئة والإنسان، يسعى إلى تثقيف المرتادين للمحافظة على الطبيعة المحلية، وسبل الاستفادة المثلى منها في إنتاج الطاقة الصديقة للبيئة. ويعين على أداء هذه الرسالة نظام صوتي متكامل للتواصل مع الزوار، غايته الأساسية إيصال الرسالة التوعوية والتثقيفية للزوار، بجانب الرسائل الترفيهية والإعلانية. وهناك نظام مراقبة لضمان تحقيق أعلى درجات الأمن والسلامة، ومركز إسعافات أولية. كذلك يشتمل المتنزه على مركز الحديقة والمجتمع، الذي ينهض بمهمة تعريف المجتمع بكيفية الاهتمام بالشجرة، وسبل تصميم الحدائق المنزلية والعناية بها.
أصبح متنزه الردف اليوم أيقونة جمال في رحاب الطائف المأنوس، يؤمه الزوّار والسيّاح من كل مناطق المملكة، طلبًا للاستجمام والراحة، والمتعة، والترفيه البريء، كما أصبح ملاذًا ترفيهيًا لأهل الطائف وما جاورها، فيهبون إليه جماعات وفرادى، مستمتعين بكل ما فيه من أنشطة رياضية، وبرامج تثقيفية، ومشاهد جمالية تسر العين. وبهذا المشروع تخطو المملكة العربية السعودية خطوات كبيرة في سبيل توطين السياحة، مستفيدة مما تزخر به من إمكانيات ومقومات طبيعية، ومشروعات تنموية تستهدف الاستثمار في مجال السياحة.