في تحول مثير يعيد رسم خرائط التاريخ والثقافة في المملكة العربية السعودية، أعلن برنامج جدّة التاريخية بالتعاون مع هيئة التراث عن كشف أثري مذهل يزيد عن 25 ألف قطعة تعود إلى القرون الأولى للهجرة، وذلك في أربعة مواقع تاريخية تتناغم فيها الروايات الزمنية. تفتح هذه القطع الأثرية المكتشفة، التي تستكين في مسجد عثمان بن عفان والشونة الأثري وأجزاء من الخندق الشرقي والسور الشمالي، صفحة جديدة في سجلات الحضارة والتاريخ، مؤكدة على غنى وعمق البصمة الحضارية التي خلفتها جدّة عبر العصور.
يأتي هذا الإعلان ضمن المشروع الطموح لإحياء جدّة التاريخية الذي أطلقه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء، والذي يهدف إلى المحافظة على الآثار الوطنية وإبراز المواقع ذات القيمة التاريخية. تسعى المملكة، عبر هذا المشروع، إلى تعزيز مكانتها بوصفها مركزًا حضاريًا وثقافيًا يجسّد غنى تراثها وعراقته، ومساهمة في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي تضع في أولوياتها العناية بالمواقع الأثرية، وتعزيز الهوية الثقافية.
تشهد القطع الأثرية المكتشفة، التي تضم مجموعة كبيرة من الأواني الخزفية والفخارية والبورسلين الرفيع، على التبادل التجاري والثقافي الذي كانت تعيشه جدة بوصفها ميناءً رئيسًا على البحر الأحمر، ما يشير إلى دورها المحوري في طرق التجارة بين الشرق والغرب. هذه المكتشفات لا تعزز فقط الفهم الأكاديمي والتاريخي للمنطقة، بل تسهم أيضًا في تنشيط السياحة الثقافية والتراثية بالمملكة، موفرة فرصًا جديدة للاقتصاد المحلي من خلال استحداث وظائف وتعزيز الاستثمار في قطاع السياحة والضيافة.
تجسّد هذه الاكتشافات التزام المملكة بحماية تراثها وتعزيز مكانتها من حيث كونها وجهة سياحية عالمية، تقدم تجارب فريدة تعكس تاريخها الغني وثقافتها العريقة. كما تدعم هذه الجهود رؤية السعودية 2030 في تحقيق تنمية مستدامة تشمل الحفاظ على البيئة وتعزيز الجودة الحياتية للمواطنين، مؤكدةً على دور الآثار في تشكيل هوية المملكة ومستقبلها السياحي والاقتصادي.
تُعد المكتشفات الأثرية في جدة شاهدًا حيًا على التفاعل الحضاري الذي ميّز هذه المدينة عبر العصور. تعكس القطع الأثرية، تأثيرات ثقافية متنوعة من الصين وأوروبا واليابان، وتلقي الضوء على مكانة جدة بوصفها مركزًا تجاريًا عالميًا ونقطة التقاء للحضارات. يعزز هذا التنوع من أهمية الحفاظ على هذه المواقع ليس فقط من حيث كونها جزءًا من التراث الوطني، بل مصدرًا للفخر والهوية الثقافية التي تشترك فيها الإنسانية جمعاء.
تؤكد المملكة، عبر هذه الاكتشافات، التزامها بدعم البحث العلمي والأثري، وتقديم نموذج للتعاون بين الهيئات الحكومية والمؤسسات العلمية لحماية التراث. يظهر هذا التعاون كيف يمكن للمشاريع الثقافية والتاريخية أن تسهم في تحقيق التنمية المستدامة، مع الحفاظ على البيئة وتعزيز الهوية الثقافية.