فَرَسَان هي الجزيرة التي تتنفس الشعر، بل هي في الواقع قصيدة حُسن وأغنية جمال، امتلأت أبياتها ضياءً وبهاءً. إنها الجزيرة الحالمة التي تنعم بمحيطها الفيروزي على صفحة مياه البحر الأحمر الذي تقع إلى الجنوب الشرقي منه، وتعد إحدى محافظات منطقة جازان.
هَا هَذهِ فَرَسَانُ أَجْملُ غِنْوةٍ
فِيهَا الشَّوَاطِئُ بِالبَيَاضِ تَلَحَّفَتْ
وَبِهَا مُهَاجِرَةُ الطُّيُورِ، نَشِيدُهَا
إِنْ شِئْت قَلَتُ جَزِيرَتِي حُورِيَّةٌ
تُرْوى عَلَى سَمْعِ الزَمَانِ وتُنْشَدُ
حَتَّى غَدَّتْ بِجَمَالِهَا تَتَفَرَّدُ
عِنْدَ الغُرُوبِ حِكَايَةً لا تُسْرَدُ
أَوْ شِئْتُ قَلَتُ هُنَا الغَزَالَةُ تَرْقُدُ
الوصول إلى فرسان
في الخامسة فجرًا، أو في الثانية بعد الظهر، يصطف المسافرون في مرسى ميناء جازان للانتقال عبر إحدى العبارات المخصصة لنقل المسافرين إلى هذه الجزيرة في رحلة تصحبها مشاهد مدهشة ابتداءً بمياه البحر الفيروزية، وانتهاءً بجزر صغيرة تتناثر كحبات اللؤلؤ حول الجزيرة الأم فَرَسَان، لتُشكِّل بذلك أرخبيلاً من الجزر يربو على مئتي جزيرة.
في الطريق من ميناء فرسان إلى البلدة، وبعد قطع نصف المسافة تقريبًا، تُلَوّح قرية القِّصار التراثية بيدها للزائرين لمشاهدة أقتاب النخيل المُتدلية التي تزهو بها ممرات الدّورِ القديمة في تلك القرية، والتي كانت إلى وقت قريب مصيْفًا لأهالي فرسان ينتقلون إليه في الصيف عَبر الإبل، ومشيًا على الأقدام في رحلة يُسمونها «الشَدّه»، مُعلنين بذلك بدء موسم جني الرُطب. هناك يستمتع الزائرون بتغاريد الطيور وزقزقاتها، تلك الطيور التي تعرف محليًا بطيور «أبو مُرُح» و«قماري البان».
شواطئ مُرجانية
في جنوب الجزيرة، تُشكِّل شواطئ عَبْرَة والقُرى فرصة لممارسة صيد الأسماك على طريقة أهل فرسان، حيث توضع شباك الصيد في عرض البحر لصيد ما تجود به تلك الشواطئ من أسماك. كما أن بإمكان الزائرين أيضًا الذهاب إلى ساحل تِبْتَا، والانطلاق من ذلك الساحل عبر القارب إلى جزيرة الهِندية، أو جزيرة ذو الكُنُبْ، أو إحدى الجزر الأخرى القريبة وممارسة الغوص، أو البحث عن اللؤلؤ في شِعاب تلك الجزر.
محمية طبيعية وغزلان نادرة
في منطقة جبال الأصباح الواقعة بين قريتي الحِسَيّن وصيّر التابعتين لجزيرة فرسان، وفي مناطق متفرقة من فرسان يكثر وجود الغزال الأدمي الفرساني الذي تعد فصيلته إحدى أندر الفصائل في شبه الجزيرة العربية. يوجد الغزال داخل محمية بيئية بعدد قد يزيد على ألفي غزال. وتقول الدراسات إنه نظرًا لانعزال الغزال الفرساني داخل الجزيرة منذ آلاف السنين فإنه قد اكتسب مظاهر جسمية خاصة به، إذ يعد أكبر الغزلان العربية الجبلية حجمًا، فيما يتميز بوجود بقعة سوداء تتضح على الأنف، هذا إضافة إلى قرونه المستقيمة.
غابة القندل وأشجار المانجروف
في الجانب الشمالي الغربي من فرسان تسبح غابة القندل، وهي تتألف من خليج يحتوي على عدد كبير من أشجار المانجروف التي تتخللها الممرات المائية، فتضفي تلك المنطقة مزيدًا من السحر والجمال على طبيعة المكان، وتوفر بيئة غنية ومجالاً حيويًا لعيش الكائنات البحرية والبرية والطيور وتكاثرها. كما تُسهم أشجار تلك الغابة في الحد من انجراف الأتربة والمساعدة في تثبيت رمال الشاطئ.
أسماك وطيور مهاجرة
يحتفل الفرسانيون في شهر أبريل من كل عام، بمهرجان صيد أسماك الحريد، حيث تصل إلى شاطئ حصيص أسراب كبيرة من أسماك الحريد. وتنظم هيئة السياحة بمنطقة جازان مهرجانًا رسميًا بتلك المناسبة يرعاه أمير منطقة جازان.
وعلى بُعد ثلاثة أميال بحرية من جزيرة فرسان، تقبع جزيرة قُمّاح التي ينشد أهاليها الأهازيج التراثية احتفاءً بوصول أسراب طيور مهاجرة تُسمى محليًا بالجراجيح، والتي يتزامن وصولها مع وصول أسراب سمك الحريد، إذ تصل تلك الطيور إلى قماح، وإلى الجزر القريبة منها قادمةً من أوروبا.
معالم وإرث تاريخي
تملك جزيرة فرسان إرثًا تاريخيًا فريدًا، حيثُ يبرز عدد من المواقع والبيوت والمساجد الأثرية التي يعود تاريخ بعضها إلى أزمنة قديمة. بداية الجولة مع القلعة العثمانية، وهي مبنى أثري يقع شمال فرسان فوق مرتفع جبلي بالقرب من قرية المسيلة، وتحتل موقعًا استراتيجيًا، إذ كانت تستخدم قديمًا في الدفاع والتحصين. وقد بُنيت جدرانها من الحجارة غير المهذبة والمغطاة بالجص، بينما صُنع سقفها من جريد النخل.
أما بيت الجرمن فيعد أحد المباني العريقة في جزيرة فرسان، وتحديدًا على ساحل جزيرة قماح. وترجع سبب التسمية بهذا الاسم إلى أن الألمان هم من أقاموا ذلك البناء قديمًا، وجعلوه مستودعًا للفحم تتزود منه السفن. أما مسجد النجدي فيصنف أحد المواقع الأثرية بجزيرة فرسان، ويمتاز بتصميمه ونقوشه والزخارف الإسلامية بداخله. بينما يضاف بيت الرفاعي إلى قائمة المواقع البارزة في جزيرة فرسان أيضًا. وترجع ملكيته إلى تاجر اللؤلؤ الشهير أحمد الرفاعي. يعد المبنى من المنازل الفخمة والجميلة، ويتميز بتصميمه ونقوشه التي جعلت منه تحفة معمارية حقيقية تجسد جمال الفن المعماري في القدم. كما يقف زائر المنزل على حقبة الثراء المعيشي والترف التي أسهمت فيها تجارة اللؤلؤ لمن امتهنوها في ذلك الزمان من جزيرة فرسان.
ألعاب شعبية وتراثية
هناك عدد كبير من الألعاب الشعبية والتراثية في جزيرة فرسان منها رقصة الزامل والسيف والزيفة والعرضة، لكن يظل اللون الذي تتميز به جزيرة فرسان هو لون الدانة، وهي رقصة بإيقاعات لكنها سهلة الأداء لحنًا ورقصًا، وتصل ألحانها إلى ثمانية ألحان تقريبًا. تؤدَى الرقصة بمجموعة من الراقصين يشكلون صفًا متناسقًا على إيقاع الطبول، ويرددون مقاطع شعرية خاصة تضفي بهجة على الحضور في أثناء ممارستها، مستمدة جمالها من جمال الطبيعة الساحرة التي تمنحها فرسان لكل زوارها، فيختلط هذا الإرث الجميل الذي تحتفظ به فرسان في ذاكرة أبنائها مع بهاء طبيعتها، مقدمة لضيوفها مزيجًا من جمال خاص يكتنزه هذا الأرخبيل الساحر الذي يقع جنوب غرب المملكة.