على ضفاف نهر بوتوماك في أواخر القرن الثامن عشر أُنشئت العاصمة الأمريكية واشنطن، التي تتشارك باسمها مع ولاية تقع على الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية. هذه المدينة التي تُصنف حديثة مقارنة بعواصم العالم، تعد اليوم مقر صناعة القرار السياسي العالمي وتشتهر باسمها واشنطن DC إشارة إلى قطاع كولومبيا الذي جرى توحيده مع العاصمة الجديدة عام 1871. وبالرغم من حداثتها إلا أنها تتشح بروح أوروبية قديمة، وأهمية اقتصادية كبيرة، بما تضمه من معاقل لأبرز المؤسسات الاقتصادية، والمؤسسات المالية الدولية، الأمر الذي يجعلها مع شقيقتها نيويورك، مركزًا لرجال الأعمال والسياسيين، وهو أمر تعكسه هويتها الرسمية التي تبرز في فنادقها.
في قلب واشنطن
زيارة الأماكن السياحية في واشنطن أشبه بالسلسلة ذات الحلقات المتصلة التي تؤدي كل واحدة منها إلى الأخرى، فإذا اختار الزائر السكن في أحد الفنادق القريبة من البيت الأبيض، فإن قصر الرئاسة الأمريكي سيكون أول وجهة يقصدها للزيارة، لاسيما وأنها جولة شائقة سيرًا على الأقدام، أما إذا كان نُزل الزائر بعيدًا عن هذه المنطقة فبإمكانه استخدام مترو الأنفاق ليقصد وجهته المنشودة.
من أمام البيت الأبيض، يتوجه الزائر سيرًا على الأقدام إلى مبنى الكابيتول الذي يضم الكونغرس الأمريكي. بعد إنهاء الجولة هناك سيجد الزائر نفسه مع أفواج المتنزهين بصورة تلقائية متوجهًا نحو نصب واشنطن الرابض في متنزه ناشيونال مول في مواجهة مبنى الكابيتول. خلال رحلته الممتدة داخل المتنزه سيصادف الزائر على جانبي الحديقة عددًا من المتاحف التي تقوده إلى النصب المنشود، ومع استمرار التوجه غربًا في المتنزه، سيتوقف الزائر أمام النصب التذكاري للحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى نصب لنكون التذكاري الذي يُشرف على نهر بوتوماك. سيكتشف الزائر خلال جولته في هذا المتنزه أنه أهم المواقع السياحية في واشنطن على الإطلاق.
يمثل التجول في حي كابيتول هيل رحلة ثقافية ثرية لا يمل منها الزائر في مشاهداته من موقع إلى آخر، لاسيما عند الوصول إلى مكتبة الكونغرس التي تقع على مقربة من مبنى الكابيتول، وتعد إحدى أعظم المكتبات على مستوى العالم بما تضمه من مجموعات بحثية تتضمن مواد من جميع أنحاء العالم. وفي إدارة الوثائق الوطنية والمحفوظات يمكن الاطلاع على وثيقة الاستقلال الأصلية.
قائمة المعالم التي تضمها واشنطن لا تنتهي عند هذا الحد، بل تمتد لتضم مبنى طباعة الأوراق المالية وصك العملة، والنصب التذكارية للرؤساء توماس جيفرسون، وفرانكلين روزفلت. هذا إلى جانب متاحف شهيرة بالعاصمة مثل متحف التاريخ الطبيعي، ومتحف التاريخ الأمريكي، ومتحف الفن الحديث، ومتحف الطوابع البريدية. بينما تستمر الرحلة الثقافية الماتعة في أرجاء واشنطن بزيارة مسرح فورد، ومكتبة فولغر شكسبير، التي تضم أكبر مجموعة من مؤلفات الكاتب المسرحي ويليام شكسبير، إضافة إلى زيارة متحف مبنى البريد القديم.
تخطيط ومعمار
واشنطن التي جرى تصميم شوارعها متوازية ومتقاطعة لا تخلو من بصمات المباني الأوروبية العريقة، مثل أمستردام وباريس وفرانكفورت وميلانو، بأنماط معمارية متنوعة من أبرزها الطراز الباروكي. ويرجع ذلك إلى مشاركة المهندس المعماري الفرنسي بيير شارل لانفان بالنصيب الأكبر من عملية التخطيط بعد أن كلفه الرئيس جورج واشنطن بالعمل على التخطيط للعاصمة الجديدة عام 1791 فاستعان بمخططات مدن أوروبية قديمة أُحضرت لأمريكا.
تنقسم واشنطن إلى أربعة أقسام، وقد اكتسب كل قسم منها اسمه حسب اتجاهه من الكابيتول، حتى أصبح كل عنوان في المدينة يتبعه حرفان يدلان على موقعه «NE – NW – SE – SW»، ويعد القسم الشمالي الغربي NW هو أكبر أقسام واشنطن، ومركزها الرئيس في النشاط الثقافي والاقتصادي والحكومي.
تشتهر بعض شوارع واشنطن بين السكان والزائرين أكثر من غيرها، ومنها شارع بنسلفانيا الذي يربط بين البيت الأبيض ومبنى الكابيتول، بينما يقطع طريق ماساشوستش العاصمة من جنوبها إلى شمالها وصولاً إلى خارج حدود العاصمة.
هناك في واشنطن بعض المباني الشهيرة المبنية على طراز الإمبراطورية الفرنسية الثانية مثل مبنى مكتب أيزنهاور التنفيذي الذي يقع إلى الغرب من البيت الأبيض. أما خارج منطقة وسطة المدينة، فتختلف الطرز المعمارية وتصبح أكثر تنوعًا. وتقع أكثر المباني القديمة في منطقة جورج تاون نظرًا لكونها بُنيت قبل واشنطن العاصمة. ويعد المنزل الحجري القديم الذي بُني عام 1765 في جورج تاون أقدم مبنى قائم حتى الآن في العاصمة، بينما تبرز جامعة جورج تاون بين أهم المعالم في المنطقة، بطرازها المعماري الذي يمزج بين القوطي والروماني. وتعكس أغلب المنازل المبنية في هذه المنطقة طراز العصر الفيكتوري في تصاميمها، إذ يرجع تاريخها إلى سبعينيات القرن التاسع عشر.