مدينة قديمة لها من العمر مئات السنين تبدو للرائي أشبه ببلدة أسطورية خرجت من كتاب ألف ليلة وليلة. تغفو بين مرتفعات جبلية على الطريق المؤدية إلى محافظة «العلا»، إحدى أكبر المناطق الأثرية وأهمها في شبه الجزيرة العربية، وتتمتع بمكانة تاريخية وجمال ساحر يكفله طرازها المعماري الفريد.

تقع البلدة القديمة المعروفة محليًا بـ«الديرة» في قلب محافظة العلا، وهي إحدى ثلاث مدن إسلامية باقية حتى اليوم. يرجع تاريخ البلدة إلى بدايات العصر الإسلامي، وقد كانت حاضرة العلا. سكنها أجيال من أهالي المحافظة حتى وقت قريب إلى أن هُجِرت تمامًا منذ ما يقارب أربعين عامًا إلى الأحياء الجديدة.

تشكل القرية التاريخية منطقة أثرية أشبه ما تكون بالمتحف المفتوح، إذ تمثل إرثًا فريدًا حافظ على هويته الإسلامية عبر الزمن. كما تكرِّس ببيوتها ومساجدها وأسواقها وأسوارها نموذجًا مميزًا لطراز المدينة الإسلامية القديمة.

 

الحي العتيق

يتلمس المرء في الأماكن العتيقة سحرًا لا يضاهى، حيث يمشي التاريخ الهوينى بين أزقة المكان فيطل من النوافذ حينًا ويتوارى خلف الأبواب الموصدة أحيانًا. البلدة القديمة أصبحت اليوم أشبه بحي من الأحياء قياسًا لمدن اليوم، فسمي بالحي العتيق. تمتد جذوره التاريخية إلى القرن السابع الهجري. كان خلالها محطة رئيسة يتوقف عندها الحجاج القادمون من الشام للتزود بالطعام والماء.

تضم القرية مجموعة من البيوت الطينية القديمة يربو عددها على الألف بيت، رُمِّم كثير منها. تفصل بين البيوت المتراصة أزقة ضيقة مرصوفة بالحجارة لا يزيد اتساع بعضها على مترين، ويتسع بعضها إلى حوالي خمسة أمتار في موقع يعرف بـ«الرحبة». ويحيط بالقرية سور فيه أربع عشرة بوابة تعرف بالـ«أصوار».

يتكون كل بيت من دورين: سفلي مبني من الحجر مخصص للاستقبال والتخزين، وعلوي من الطين واللبن، للمعيشة والنوم. أما الأسقف فمن جذوع النخل والجريد، تغطيها طبقة من الطين.

من خصائص تصميم مباني القرية أيضًا خلو طوابقها السفلى من أي فتحات. وخُصت الأدوار العلوية بنوافذ خشبية.

أما الأسواق فيها فتمتد في الجهة الغربية على امتداد القرية، حيث تقع جميع الدكاكين والقهوة وبئر ماء. ويعد سوق «الدور» مركز القرية التجاري، كان يَعرض فيه سكان البادية السلع والمواشي، ليبيعوها، ومنه يبتاعون المنتجات التي يحتاجون إليها.

 

خصوبة التاريخ

مثلما التاريخ خصب بأحداثه وتعاقب الممالك في منطقة العلا أجمع، كذلك هو مع البلدة التراثية، أو العلا القديمة التي تجمع بين خصوبة التاريخ والأرض. تتربع العلا القديمة عند مرتفع «الجبيل» الصخري، غربي الوادي الممتد من سهول الحجر (مدائن صالح) شمالاً حتى سهول المالمابيات (موقع قرح)، جنوبًا، وتحيط بها سلاسل جبلية عالية من الشرق والغرب. ولا زالت أرضها تمتاز بالخصوبة التي كفلتها التربة، كما كفلتها الثمانون عينًا، فنما فيها، منذ تاريخها الأول، أشجار النخيل الذي بسق اليوم، إضافة إلى أن النقوش الأثرية تشير إلى أن المنطقة عرفت أيضًا زراعة القطن.

إن وفرة الماء والكلأ في المنطقة كانت عاملاً أساسيًا في استقرار حضارات عديدة فيها. إذ مرت بها ممالك ثمود، ومعين، وديدان، ولحيان، والأنباط، وخلّفوا آثارًا قيِّمة.

امتازت المنطقة بزراعة الحمضيات والمانجو. واتبع الأهالي منذ قديم الزمان أساليب ذكية في ري المزارع، استغلوا أكثر من ثمانين عينًا تضمها المحافظة في زراعة النخيل والأشجار التي تصد عنها الغزاة، وتجعلها في مأمن من السيول الجارفة.

 

معالم باقية

في طرف القرية العتيقة، مسجد تاريخي يعد أشهر جوامع البلدة. أسسه الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو في طريق غزوته لتبوك. وكان قد حدد مكان قبلته بالعظام، فبناه أهلها بعد ذلك وسمُّوه «مسجد العظام». وقد مر بناء هذا المسجد بعدة مراحل إلى أن رُمم في عصرنا الحاضر.

في البلدة أيضًا، مسجد الصخرة الذي يعد من أقدم المساجد التاريخية في المحافظة. وقد بني في القرن الثامن الهجري، واستخدم في بنائه الحجارة المقطوعة ومونة الطين، وسقفه من جذوع النخل وجريده. ولقد جرى ترميم هذا المسجد التاريخي وتجديده عدة مرات.

من المعالم المميزة والتي تشي بامتهان أهل القرية الزراعة الساعة الشمسية التي تعرف عند العامة بـ«الطنطورة»، وتقع جنوب البلدة، وهي معلم هرمي كان يستعان بها في معرفة دخول فصول السنة الأربعة. كان سكان العلا القدماء يستخدمونها في تنظيم عملية الري اعتمادًا على التقويم القبطي خلال شهور السنة، إذ تعد المنطقة من أخصب بلدات وادي القرى الذي يمتد من شمال خيبر جنوبًا حتى الحجر أو مدائن صالح شمالاً.

 

x
You are looking for