- تشتهر صحراء حِسمى برمالها الحمراء، وتضاريسها ذات التكوينات الفريدة، ومن ذلك الأعمدة الصخرية التي تستقبل المتنزهين في مواقع مختلفة
على أطراف الشمال الغربي للمملكة العربية السعودية تقع منطقة صحراء حِسمى التي تعرف أيضًا بهضبة حِسمى، وهي امتداد شاسع من الكثبان الرملية الحمراء والجبال ذات التكوينات الصخرية الغريبة التي تكتنز أسرارًا تجسدها نقوش ثمودية وعربية ونبطية تتناثر في مناطق مختلفة من الصحراء التي كانت على مر الزمن معبرًا لقوافل التجارة المسافرة من جزيرة العرب والوافدة إليها.
تحمل الصخور كتابات أثرية متنوعة ترجع إلى حقب زمنية مختلفة، ومن ذلك النقوش الثمودية التي تعود لنحو 2600 عام، والتي تجعل من المنطقة مدونة تاريخية، وتفسّر ما ذُكر من الشعر الجاهلي والإسلامي حول صحراء حسمى.
للمتنبي قصيدة يصف فيها طريقه من مصر إلى الكوفة عبر الجزيرة العربية:
وَقُلْنَا لهَا أينَ أرْضُ العِراقِ….. فَقَالَتْ وَنحنُ بِتُرْبَانَ هَا
وَهَبّتْ بِحِسْمَى هُبُوبَ الدَّبُورِ…. مُستَقْبِلاتٍ مَهَبَّ الصَّبَا
ويقول النابغة:
فأصبحَ عاقلاً بجبال حِسمى….. دُقاق الترب محتزم القَتَام
جبل السفينة
في قلب حِسمى، يستقبل جبل السفينة العابرين وكأنه سفينة راسية وسط الصحراء، بتكوين صخوره الغريب الذي يشبه السفينة، ومن ذلك اكتسب اسمه.
يقع الجبل جنوب غرب مدينة تبوك على بعد نحو 60 كيلومترا منها، مجسدًا لوحة صخرية دوّن عليها العابرون كتاباتهم على مر الزمن، لتحتفظ بها الصخور وتسرد حكايات عن تاريخ المكان، وأخبار من مروا به في رحلاتهم من جزيرة العرب وإليها.
يعد جبل السفينة واحدًا من أهم الجبال التي تُصنف على أنها مكتبة تاريخية مفتوحة وسط الطبيعة، شأنه في ذلك شأن جبل الأقرع في العلا الذي يضم نحو 450 نقشًا عربيًا بعضها مؤرخ باليوم والشهر والسنة، أو جبل عكمة بمنطقة العلا الذي يضم كتابات ونقوشا أثرية تعود إلى الحضارة اللحيانية قبل الميلاد.
توثّق النقوش والكتابات على جبل السفينة لفترة ما قبل الإسلام والعصور الإسلامية المتلاحقة، إذ يكتظ الجبل بالنقوش الثمودية والعربية، والكتابات التي نُقشت بالخط الكوفي دون تنقيط إضافة إلى رسومات للإبل والقوافل، ويرجع تاريخها إلى القرن الأول الهجري.
من بين العبارات المنقوشة: «أنا عمر بن سويد أوصي كل ذي علم أن ينفع بعلمه"، وعبارة أخرى تقول: "اللهم اغفر لمحمد بن إبراهيم بن نافع مولى أبو هريرة ذنبه العظيم».
وقوع هذا الجبل وسط الصحراء ساهم في بقاء نقوشه بحالة جيدة يمكن قراءة أغلبها بصورة واضحة، خصوصًا مع صعوبة الوصول إليه في زمن سابق. أما الآن فقد أحيط الموقع بسياج حديدي له باب بهدف الحفاظ عليه، بعد أن شهدت المنطقة تطورًا في شبكة الطرق الحديثة التي اخترقت الصحراء، الأمر الذي ساهم في تسهيل الوصول إلى موقع الجبل والمناطق المحيطة به بهدف التنزه.
روافة
في صحراء حِسمى وعلى بعد نحو 115 كيلو مترا جنوب غرب تبوك يقع معبد روماني قديم، يرجع تاريخه إلى القرن الثاني الميلادي، يسمى معبد روافة نسبة إلى اسم المنطقة الجبلية التي بُني فيها. وقد أنشئ المعبد في هذا الموقع بسبب وقوعه على طريق القوافل وتنقلات القبائل، إضافة إلى وجود ينبوع ماء في كهف صغير بالمكان.
اكتشف المعبد على يد الرحالة النمساوي ألويس موزيل سنة 1910، وقد اختلف الباحثون إن كان شيده الثموديون أو الأنباط. ولا تزال بعض أطلال المعبد قائمة حتى الآن، وتتكون من جدران من الحجر المشذب الذي استخدم في البناء، ويحمل المعبد نقشًا مهمًا موجودا في موقع يسمى حجر التاج.
بُني المعبد على شكل شبه مستطيل، حوله أربعة أعمدة تحيط بالمدخل، ويضم منطقة الفناء الكبيرة، وغرفتين في الجهة الغربية تفصلهما مساحة. ووفقًا للنقش الموجود على واجهة المعبد والمكتوب باللغة العربية النبطية، والإغريقية، فإنه قد بني تمجيدًا للإمبراطورين ماركوس أورليوس أنطونيوس، ولوشيوس أورليوس فيروس، الأمر الذي يؤكد العلاقة بين الرومان وسكان شمال الجزيرة العربية في هذه الحقبة الزمنية.